وكالة أنباء الحوزة - ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلاميّ حواراً مع المستشار الثقافي لجمهورية إيران الإسلامية في لبنان الدكتور عباس خامه يار حول ماهيّة الثورة الإسلاميّة وعدم اقتصارها على إيران، والدعم الذي حظيت به هذه الثورة من مختلف الجهات الرسميّة والفئات الشعبيّة ووسائل الإعلام، إضافة إلى أبرز ردود الأفعال في المنطقة والعالم على انتصار هذه الثورة والدعم الشامل الذي قدّمته الثورة الإسلاميّة بعد انتصار لفلسطين والفلسطينيّين والذي تمثّل بخطوات من قبيل إغلاق سفارة الكيان الصهيوني وتسليمها للفلسطينيّين وإطلاق يوم القدس.
لم تقتصر الثورة الإسلاميّة على إيران، لأنّه قبل انتصار الثورة الإسلاميّة برزت علاماتٌ على رغبة بعض الشعوب وأيضاً بعض الفئات والتيارات غير الإيرانيّة بالثورة. والسّبب الرئيسي لهذه الرغبة هو الميزات البارزة للثورة الإسلاميّة منها كونها إسلاميّة، المطالبة بالحريّة، المطالبة بالعدالة وسائر ميزاتها الأخرى. مع أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، هل حظيت الثورة الإسلاميّة بالدعم من قبل الشعوب، الشخصيّات أو الفئات والمنظّمات الأجنبيّة وغير الإيرانيّة؟ ما هي المجالات التي تركّزت فيها المساعدات وأنواع الدعم، وما هي الخطوات المهمّة التي اتُّخذت في هذا الإطار؟
في ذاك الزّمان، كانت الظّروف على هذا النحو: بعد التطوّرات من قبيل انهيار الامبراطوريّة العثمانيّة، انهزم العرب في حربهم مع الكيان الصهيوني، وتشكّلت معسكرات واسعة، وجرى نشر الليبراليّة والرأسماليّة وأيضاً نشر الشيوعيّة من قِبل الاتحاد السوفيتي حيث كانوا قد استهدفوا بواسطتها المسلمين، وسادت أجواء اليأس أرجاء العالم الإسلاميّ. وفي نهاية المطاف أشعلت التطوّرات في إيران والثورة الإسلامية الأمل في قلوب هذه الشعوب. كانت الشعوب تظنّ أن الخلل واليأس الذي ساد كلّ نقطة من نقاط البلدان الإسلاميّة، يُمكن أن يُعوّض بواسطة الثورة الإسلاميّة وأفكار الإمام الخمينيّ (قده) والثوريّين الإيرانيّين.
لذلك جرى تقديم دعم شامل في كافّة المجالات للثورة الإسلاميّة، وشهدنا انتفاض الشباب في مختلف الدول ونزولهم إلى الشوارع دعماً للثورة الإسلاميّة. كما كان نشر أفكار مفكّري ومثقّفي الثورة الإسلاميّة في كلّ بلد من البلدان الإسلاميّة استثنائيّاً. إذا أخذنا شمال أفريقيا بعين الاعتبار، فإنّنا شاهدنا هذا الدعم في السودان. هذا بينما كان يحكم السودان في ذلك الزمان نظامٌ مستبدّ تحت قيادة "جعفر النميري". إضافة إلى ذلك، وقف الجامعيّون إلى جانب الثورة الإسلاميّة. شخصيّات كبيرة من قبيل "صادق المهدي"، "حسن الترابي" و"محمّد المكي" دافعت عن الثورة الإسلاميّة بقوّة. كما أنّ التيّار الإسلاميّ في السودان كان جزءً من جماعة "الإخوان المسلمين" حيث دافع عن الثورة الإسلاميّة بوضوح. وكانت الكتب للثائرين في إيران، ومفكّري وعلماء إيران تنتقل من يدٍ إلى يد في السودان، وتجري ترجمتها ونشرها.
من ناحية أخرى، وقع هذا الأمر في تونس أيضاً. "راشد الغنوشي"، المنظّر المعروف في عالم السياسة وقائد حزب "النهضة التونسي"، قام مع سائر شخصيّات هذا البلد بتقديم الدعم الكبير في هذا المجال. وفي ذلك الحين، دافعت حركة "الاتجاه الإسلاميّ" التي تحوّلت في ما بعد إلى جمعيّة "النهضة الإسلاميّة" عن الثورة الإسلاميّة بقوّة. وحينها أيضاً، نشرت مجلّة "المعرفة" التي تنشر أفكار المفكّرين والمتديّنين الإسلاميّين التونسيّين العديد من المقالات. وفي مرّة من المرّات، كتبوا على غلاف المجلّة حول الإمام الخمينيّ: "عمامة لا كالعمائم". أي أنّ هذه العمامة مختلفة عن سائر العمائم وليست مثلها. وفي هذا البلد شهدنا وصف صفات الإمام الخمينيّ (قده) ضمن إطار الشّعر. و"راشد الغنوشي" نفسه كتب مقالة وقدّم بنحوٍ من الأنحاء عن لسان الرّسول الأكرم (ص) ومع إرفاق الأحاديث، الإمام الخمينيّ (قده) كمرشّخ لخلافة المسلمين. هذه الخطوة كانت خطوة عظيمة. وهكذا كان الحال في سائر الدول أيضاً.
على سبيل المثال، نزل المصريّون إلى الشوارع دعماً للثورة الإسلاميّة. كما أنّ جماعة "الإخوان المسلمين" بصفتهم العمود الفقريّ للإسلام السياسي لدى أهل السنّة دعمت بقوّة الثورة الإسلاميّة وأفكار الإمام الخميني وبادرت إلى نشر هذا الفكر. إضافة إلى ذلك، عارضت بشكل جدّي زيارة الشاه إلى مصر ودفنه أيضاً في هذا البلد. في الأردن، وعلى الرّغم من كلّ الضغوط التي كانت حينها، دافع الأردنيّون بقوّة عن الثورة الإسلاميّة. وهذا الدعم كان شاملاً ومن أعماق القلب في لبنان بشكل خاصّ. فقد دافعت عن الثورة الإسلاميّة شخصيات من قبيل"فتحي يكن" الذي هو عالمٌ عظيم من علماء أهل السنّة وأيضاً الشيخ "سعيد شعبان". كما أنّ الشخصيّات الشيعيّة من قبيل العلّامة "السيد محمد حسين فضل الله"، العلّامة "الشيخ شمس الدّين" والشيخ "محمّد جواد مغنيّة" كلّها كانت شخصيّات عظيمة أعادت نشر أفكار الإمام الخمينيّ (قده). وعلى أرض الواقع أيضاً، كان أوّل وفدٍ يزور إيران من الكويت. مباشرة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، زار وفد رفيع المستوى من الكويت الإمام الخمينيّ (قده) من أجل التبريك بانتصار الثورة الإسلاميّة. كما زار وفدٌ آخر من لبنان مكوّن من كافّة الطوائف والفئات من السنّة، الشيعة، المسيحيّين، الوطنيّين والقوميّين الإمام الخمينيّ (قده) من أجل تبريك انتصار الثورة.
وفي باريس أيضاً، لاحظنا أنّ بعض الوفود من مختلف الدول العربيّة زارت الإمام الخمينيّ (قده). وكافّة الصّحف، وسائل الإعلام ومجلّات من قبيل "المعرفة"، "الطليعة الإسلاميّة" و"الأمّة" التي كانت تُعدّ في واقع الأمر ضمن هذه الحركات والتشکیلات الإسلاميّة العظيمة قد خصّصت أعدادها للثورة الإسلاميّة، وشرح أفكار الإمام الخمينيّ (قده) وأهداف الثورة الإسلاميّة. هذا يعني أنّ الثورة الإسلاميّة حظيت بدعمٍ شامل وغير مسبوق. وفي أمريكا اللاتينيّة حصل الأمر نفسه أيضاً، وجرى طرح الثورة الإسلاميّة تحت عنوان "أدب المقاومة" و"أدب الإلهيّات" وهناك وصفوا الإمام بمحيي الدين. وفي فلسطين، أشعلت الثورة الإسلاميّة بارقة أمل. فشخصيّات مسيحيّة كبيرة وقادة دينيّون مثل المطران "كابوتشي" زاروا الإمام الخمينيّ (قده) وبايعوه. أنواع الدّعم للثورة الإسلاميّة على مستوى الرأي العام والتيّارات السياسيّة وأيضاً على مستوى النخب وعلماء الدين كانت منقطعة النظير. وبرأيي، لم تحظَ أيّ ثورة بهذا المستوى من الدعم الشامل للتيارات الدينيّة والتي تتخطّى الدين أيضاً، مثل التيارات القوميّة.
ويُمكن تبرير وشرح الهجوم الواسع وبعده الحرب التي فرضها نظام صدّام على الثورة الإسلاميّة ضمن هذا الإطار. في واقع الأمر، كان الدّعم شاملاً ومنقطع النّظير، وكان إضافة إلى ذلك في طور التحوّل إلى خطر كبير على الأنظمة الحاكمة وكان المسار الوحيد الذي ارتأوه هو الهجوم الماديّ الواسع والمباشر على الثورة الإسلاميّة. لذلك، يُمكن تعريف وتحليل الحرب ضمن هذا الإطار. اليوم، تخطّى عدد النّصوص والمكتوبات الداعمة للثورة الإسلاميّة مئات المؤلّفات. فكتاب "محمّد حسنين هيكل" الذي يحمل عنوان "مدافع آية الله" جرى تأليفه مع بداية حياة الثورة الإسلاميّة. بعد ذلك، وفور انتصار الثورة الإسلامية، ألّف شخصٌ مثل "فهمي هويدي" كتابه الخالد "إيران من الدّاخل".
كلّ هذه الخطوات لعبت دوراً كبيراً في تنوير أفكار العموم في العالم العربيّ والدول الإسلاميّة. كما أنّ الدول العربيّة كانت في ذلك الزمان تُقدّم على أنّها دول جبهة الصّمود، وكانت ليبيا، الجزائر وسوريا من الدول الداعمة للثورة الإسلاميّة حكومة وشعباً. وهذه الحكومات وفّرت أجواء أكبر لشعبها ضمن مسار دعم الثورة الإسلاميّة. وبطبيعة الحال، فإنّ الأقليّات الدينيّة أو المسلمين الحاضرين في كلّ مكان من أوروبا أو أمريكا مارسوا هذا الدّعم أيضاً. "حامد الغار"، "روجيه غارودي"، "كليم صدّيقي" و"ظفر بكداش" جميعهم ألّفوا كتباً في دعم الثورة الإسلاميّة. كلّ هذه الشخصيّات أقامت المؤتمرات الضخمات في كلّ من بريطانيا، كندا وأمريكا أيضاً من أجل شرح الثورة الإسلاميّة. كما أنّهم كانوا ينشرون أفكار الثورة الإسلاميّة ضمن إطار قوانين الدول المضيفة. لذلك، كانوا يلعبون دوراً كبيراً. كما أنّني أذكر أنّ صحيفة كرسنت التي كانت تُنشر بواسطة "كليم صدّيقي" و"ظفر بكداش" في لندن وكندا بشكل متزامن، لعبت هذا الدور أيضاً. هذه الأجواء كانت أجواء داعمة وواسعة.
كيف تُقيّمون دور وسائل الإعلام غير الإيرانيّة في دعم الثورة الإسلاميّة؟ ما هو الدّور الذي لعبته وسائل الإعلام غير الإيرانيّة في مساعدة الثورة الإسلاميّة في إيران؟ أيّ وسائل إعلاميّة نشطت في هذا المضمار وما هي الخطوات البارزة التي لعبتها؟
الثورة الإسلاميّة في ذلك الزمان قُدّمت على أنّها ثورةٌ مطالبة بالحريّة، ثورةٌ ضدّ الاستبداد وضدّ الاستعمار وضدّ الإمبرياليّة ومناهضة للاستكبار. بطبيعة الحال، تلقت الثورة الإسلامية الدعم من كافّة وسائل الإعلام سواء ذات المنحى الإسلاميّ أو غير الإسلاميّ. طبعاً، في ذلك الزمان كانت وسائل الإعلام قلّما تكون ذات منحى إسلامي بسبب الحدود الموجودة. لكن على الرّغم من ذلك، فإنّ وسائل الإعلام لعبت دوراً كبيراً في دعم الثورة الإسلاميّة. لعبت "السّفير" التي كانت جريدة واسعة الانتشار والجريدة الأولى في العالم العربي دوراً كبيراً في دعم الثّورة الإسلاميّة. فقد ذهب "طلال سلمان" الذي كان رئيس تحرير هذه الجريدة إلى باريس والتقى الإمام الخمينيّ (قده). وجاء إلى طهران أيضاً. هذه الشخصيّة اللبنانيّة كانت تقوم على الدوام بتخصيص الصفحات الكبرى والمهمّة من "السفير" للثورة الإسلاميّة والثوريّين. كما أنّ جريدة "النهار" اليمينيّة التي تُعتبر من الصّحف واسعة الانتشار في العالم العربيّ أيضاً خصّصت أعداداً خاصّة للثورة الإسلاميّة. بعض مسؤولي هذه الجريدة ومراسليها ذهبوا إلى باريس وأجروا مقابلات مع الإمام الخمينيّ (قده) في "نوفل لوشاتو". وكما أشرت سابقاً، كلَّ مؤسسات الأحزاب والفئات السياسيّة مثل مجلّة "الطليعة الإسلاميّة"، "المعرفة"، "الأمّة"، "المجتمع" و... ومنها المجلّات التابعة للتوجّهات الإسلاميّة كانت حاضرة في كلّ نقطة من نقاط البلدان الإسلاميّة ولعبت دوراً مهمّاً في دعم الثورة الإسلاميّة.
كما أنّ الصحف التركيّة والمرتبطة بالإسلاميّين مارست هذا الدّعم أيضاً. وقدّم قائد التيّار الإسلامي في تركيا أكبر دعم للثورة الإسلاميّة. ويُمكن في الواقع القول أنّه جرى تقديم دعمٍ شامل من قِبل وسائل الإعلام للثورة الإسلاميّة، بحيث أنّ بعض الإذاعات في ذلك الزّمان على الرّغم من تبعيّتها للقوى العظمى كانت مُجبرة على اتّخاذ موقف محايد قدر استطاعتها. كان راديو "لندن بالعربيّة" وراديو "مونت كارلو" الذي كان من أضخم الإذاعات في العالم العربي وكان تابعاً للحكومة الفرنسيّة ينقلان أخبار الثورة الإسلاميّة قدر الإمكان وإلى الحدّ الذي تسمح به القيود والحدود. استمرّ هذا الوضع في كافّة وسائل الإعلام في ذلك الزّمان ضمن جبهة الصّمود مثل سوريا، تونس، الجزائر والسودان.
كيف كانت أبرز ردود الأفعال على انتصار الثورة الإسلاميّة على مستوى المنطقة والعالم؟ وبعد انتصار الثورة الإسلاميّة، من هم رؤساء الدّول الذين زاروا الجمهوريّة الإسلاميّة وماذا حملت هذه الزيارات من نتائج للثورة الإسلاميّة؟
أوّل الدول التي اتّخذت موقفاً من الثورة الإسلاميّة تلك التي كانت في مواجهة مع نظام الشاه بنحوٍ من الأنحاء. هذه الدّول بادرت على الفور بعد انتصار الثورة الإسلاميّة إلى إرسال برقيّات التبريك. وعدد دول أمريكا اللاتينيّة كان أكثر من سائر الدّول. ومن بين الدول العربيّة، كانت الجزائر وسوريا وليبيا السبّاقة في هذا الأمر. وعلى المستوى الشعبي، شكّلت تقريباً غالبيّة المجتمعات الإسلاميّة – خاصّة تلك التي كانت تتعرّض لضغوط أقلّ – وفوداً كبيرة وأرسلتها إلى إيران وجرى عقد اللقاءات أيضاً. ولعلّ أوّل لقاء كان لقاء "ياسر عرفات" الذي جاء إلى إيران من أجل استلام سفارة فلسطين وكانت هذه ظاهرة غير مسبوقة. ففي ذلك الوقت، لم يكن الفلسطينيّون يملكون أيّ مكتب يمثّلهم بشكل رسميّ في أيّ نقطة من نقاط العالم. لذلك، كان لتحويل سفارة "إسرائيل" في قلب طهران إلى سفارة ومكتب تمثيل فلسطين في ذلك الزّمان، انعكاسٌ كبيرٌ في العالم ودوّى صدى هذا الحدث في جميع الأرجاء كما القنبلة. دخل السيّد "عرفات" إلى طهران واستلم السفارة. ثمّ بعد ذلك، أذكر أنّ وفد المؤتمر الإسلاميّ الذي أُرسل من قبل رئيس جمهوريّة السنغال والذي كان في الواقع رئيس المؤتمر الإسلامي حينها، جاء إلى طهران والتقى الإمام الخمينيّ (قده) ليبارك له انتصار الثورة الإسلاميّة. كما توافدت وفود رسميّة أخرى من سائر الدول. هذه الأوضاع استمرّت حتّى بدء الحرب المفروضة. ومع بدء الحرب المفروضة فُرضت بعض القيود على هذه الزيارات.
ولا بُدّ أيضاً أن أشير إلى هذه القضيّة بأن جميع المثقّفين، الشخصيّات والمفكّرين المسلمين جاؤوا إلى إيران إمّا ضمن وفود، أو بشكل منفصل أو ضمن إطار المؤتمرات الكُبرى التي عُقدت حينها تحت عنوان مؤتمرات أئمّة الجمعة حول العالم، وباركوا انتصار الثورة الإسلاميّة. كما أنّهم شاركوا في المراسم التي كانت تنعقد بمناسبة السنين الأولى لانتصار الثورة الإسلاميّة والذكرى السنويّة لانتصارها أو في المؤتمرات التي كانت تحمل اسم الحركات الإسلاميّة في طهران. في الواقع، كوّنوا أجواء بحيث يُمكن القول أن جميع المحبّين والمناصرين المثقّفين للثورة الإسلاميّة والأحرار، القادة الدينيّون جاؤوا إلى إيران ضمن إطار مناسبة أو دعوة منسّقة مسبقاً، وباركوا من كثب انتصار الثورة الإسلاميّة للقادة والمسؤولين في إيران. حتى أنّ بعض الشخصيّات استأجروا طائرات خاصّة وجاؤوا إلى إيران على متنها.
كان إغلاق السفارة الصهيونيّة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة وعقب ساعات قليلة من هذا الانتصار حدثاً بارزاً وكبيراً. ما هو السبب الرئيسي لوقوع مثل هذا الحدث وأيّ رسائل حملها للصهاينة وحلفائهم الغربيّين والعرب؟ نرجوا منكم شرح مختلف الجوانب لهذا الحدث المهمّ ...
الثورة الإسلاميّة كانت في الأساس ثورة ضدّ الاستعمار والاحتلال. كما أنّ الإمام الخمينيّ (قده) ألقى مع بداية نهضة 15 خرداد كلمة معروفة في 14 خرداد عام 1342 (4 حزيران/يونيو 1963) في المدرسة الفيضيّة. وعلى الرّغم من أنّ النهضة كانت نهضةً ضدّ الاستبداد، الدكتاتوريّة ونظام الشاه، وكانت قد استهدفت الشاه؛ لكن في نفس تلك الكلمة، ربط الإمام الخمينيّ (قده) بين الاستبداد والاستعمار وبين الشاه والكيان الصهيوني. ولعلّ فلسفة ربط هاتين المقولتين باتت أوضح اليوم للشعوب. كما أنّ الإمام الخمينيّ ذكر في ذلك الخطاب اسم الشاه 15 مرّة لكنّه أشار 18 مرّة إلى "إسرائيل". وهذا إنّما يشير إلى أنّ نهضة الإمام الخمينيّ (قده) إضافة إلى ميزتها المناهضة للاستبداد والدكتاتوريّة، هي في الأساس نهضة ضدّ الاستعمار.
استمرّ هذا المسار إلى أن أطلق الناس فوراً في ليلة انتصار الثورة الإسلاميّة شعار "إيران اليوم وغداً فلسطين". بطبيعة الحال، مع هذا الفكر والمناهضة للظلم والاحتلال التي كانت من بين رسائل الثورة الإسلاميّة، كان من الطّبيعي أن يجري هدم مقرّ الاستعمار في قلب الجمهوريّة الإسلاميّة وقلب طهران وتتمّ إزالته؛ وأن يجري إهداء [هذا المقرّ] إلى المطالبين بالحريّة والأصحاب الأساسيّين للأراضي المحتلّة. كانت هذه الخطوة خطوة رمزيّة ومؤثّرة وأدّت إلى ارتفاع مستوى روحيّة الفلسطينيّين، الشعوب، المطالبين بالحريّة، والمناضلين ضدّ الاستعمار. هذا الحدث ترافق مع سائر الخطوات الأخرى التي أقدم عليها الإمام الخمينيّ (قده)؛ من قبيل إعلان آخر جمعة من شهر رمضان يوماً للقدس وإطلاق أسبوع الوحدة. كما أنّ قرارات مجلس الشورى الإسلاميّ بشأن دعم انتفاضة الفلسطينيّين طوال الأعوام التالية كانت من أنواع الدّعم الأخرى التي قدّمتها الثورة الإسلاميّة لفلسطين. وهذا الدّعم لا زال مستمرّاً حتّى اليوم بمختلف الأنماط والأساليب.
تُفصح هذه القضيّة عن الأهداف السامية للثورة الإسلاميّة حيال المستضعفين والمطالبين بالحريّة وتجاه القبلة الأولى للمسلمين. وبالمناسبة، من النقاط الرئيسيّة التي يُقيّم من خلالها المفكّرون والشعوب الثورة الإسلاميّة في إيران ويؤكّدون من خلالها أنّ الثورة الإسلاميّة راسخة ولم تعدل عن أهدافها الرئيسيّة، قضيّة دعم القادة والشعب الإيراني للقدس، لفلسطين وشعب فلسطين. هذا بمثابة حجر أساس للثورة الإسلاميّة، ويدلّ على ثباتها في مسار تحقيق الأهداف والأولويّات.